لعل الاطلاع على التجارب الفردية، هو أكثر ما قد يكشف مدى أهمية وفوائد الري بالتقنيات الحديثة واثاره مقابل الجفاف، في بلد مثل العراق تمثل الزراعة نحو 80% من استهلاك المياه في سنويًا.
خصوصا اذا أظهرت تجربة التقنيات الحديثة والري بالرش او التنقيط، ان المياه التي كان يستهلكها فلاح لسقي دونم واحد، اصبح يسقي بها 10 دوانم، هذا يعني ان العراق سيخزن 10 اضعاف ما كان يستهكله، فبدلا من استهلاك 10 مليار متر مكعب سنويا للسقي مثلا، فأنه سيقوم باستهلاك مليار او مليارين فقط، ويخزن الـ8 مليار المتبقية.
ونقلت صحيفة فرانس برس قصة الفلاح محمد سامي من محافظة الانبار، والذي كان على وشك ان يترك ارض والده القاحلة، لكن نظام الري الموفر للمياه أنعش محاصيله وآماله، وهو من بين مئات المزارعين في البلاد الذين تضرروا من موجات الحر وندرة الأمطار واستنزاف الأنهار للاستفادة من أنظمة إدارة المياه الجديدة التي قدمها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
وتستخدم الأنظمة الرشاشات الآلية والري بالتنقيط لضمان استخدام المياه الشحيحة بأكثر الطرق كفاءة وعدم فقدانها مع الجريان السطحي أو تبخرها تحت أشعة الشمس الحارقة، وقال سامي البالغ من العمر 38 عاماً: “منذ عام 2019، وبسبب شح المياه، لم نتمكن من زراعة الأرض”، وبعد أن سحقه الجفاف الذي حول أرضه البالغة مساحتها 10 دونمات، أو حوالي هكتار واحد، إلى صحراء، بدأ سامي العمل في مدينة مجاورة كعامل يومي منذ عدة سنوات، بحسبما تقول فرانس برس.
وقال: “فكرت في التخلي عن الزراعة إلى الأبد”، ولكن منذ عامين، تغيرت آفاق سامي، وازدهرت أرضه مرة أخرى، حيث ساعد برنامج الأغذية العالمي من خلال نظام ري آلي جديد يسقي حقله لمدة ساعتين فقط يوميًا، لمدة يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع.
وقال: “أروي الآن 10 دونمات بنفس كمية المياه التي كنت أرويها لدونم واحد من قبل”، مضيفاً أن محصول القمح لديه ارتفع من سبعة إلى 12 طناً سنوياً.
وقالت خانساي غازي من مكتب وكالة الأمم المتحدة في بغداد، إن مشروع برنامج الأغذية العالمي ساعد العام الماضي أكثر من 1100 مزارع “في المناطق الأكثر تضررا من تغير المناخ والجفاف”، وتستخدم أنظمة الري الجديدة “مياهاً أقل بنسبة 70 في المائة من الطرق التقليدية مثل الفيضانات” – وهي الطريقة الأكثر إسرافاً إلى حد كبير والتي استخدمت منذ آلاف السنين.
وقال برنامج الأغذية العالمي إن التقنيات الحديثة تسمح للمزارعين بزراعة محاصيل متنوعة على مدار العام، بما في ذلك الشعير والخيار والبطيخ والباذنجان، وتقليل “الاعتماد على هطول الأمطار التي لا يمكن التنبؤ بها”.
وتحذر وكالة الأمم المتحدة من أن هناك حدودا للمكاسب التي تحققها التقنيات الجديدة، وقال التقرير “بينما يمكن لأنظمة الري الحديثة أن تحسن بشكل كبير كفاءة استخدام المياه والممارسات الزراعية في العراق، إلا أنها قد لا تكون كافية لمعالجة قضية الجفاف المعقدة”.
لكن في الوقت الحالي، يشعر المزارعون بالسعادة بالمكاسب التي يرونها، ومن بينهم سعاد مهدي في قرية الزرقاء القريبة من نهر الفرات، التي قالت إنها ضاعفت محصولها.
تزرع هذه المرأة البالغة من العمر 40 عاماً القمح والشعير في الشتاء، والذرة والطماطم والباذنجان في الصيف في قطعة أرض مساحتها هكتار واحد.
وقالت: “كان علينا أن نأخذ يومين لسقي محاصيلنا”. وهي الآن تملأ حوضا بمياه النهر ثم تقوم بتشغيل الرشاشات، وهي مهمة “لا تستغرق أكثر من ساعتين”
()