اكتشفت مجموعة من علماء الأعصاب الأمريكيين أن البشر والثدييات الأخرى لديهم آلية عصبية تسمح لهم باختيار الأحداث المهمة بما يكفي لتبقى في ذاكرتنا، والتخلص من الأحداث غير المهمة.
ووجد علماء الأعصاب أن أحداث الحياة التي تستغرق وقتا للتفكير فيها بعد وقت قصير من حدوثها من المرجح أن تحفر في دماغك كذاكرة طويلة المدى.
وحدد العلماء نمطا ثابتا من الخلايا العصبية، أو خلايا الدماغ، التي تطلق سيمفونية صغيرة من الإشارات الكهربائية المنسقة، بعد وقت قصير من الأحداث التي تم حفظها لاحقا في الذاكرة طويلة المدى أثناء الراحة في تلك الليلة.
وفي حين أن هذه الإشارات من النشاط الكهربائي داخل الدماغ، والتي يطلق عليها اسم “تموجات الموجات الحادة” (sharp wave-ripples)، تكون غير واعية، قال الباحثون إن الشخص يمكن أن يزيد من احتمالية تكوين ذاكرة طويلة المدى من خلال التفكير في حدث ما في يوم وقوعه.
وركز الدكتور جيورجي بوزاكي، أستاذ علم الأعصاب في جامعة نيويورك لانغون هيلث، المؤلف الرئيسي للدراسة، إلى جانب أربعة باحثين آخرين في جامعة نيويورك ومحلل بيانات من معهد ميلا كيبيك للذكاء الاصطناعي، على الحصين في دراستهم الجديدة.
ويقع الحصين في عمق مركز الدماغ، وهو جزء لا يتجزأ من مرور المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.
واستخدم علماء الأعصاب مجسات سيليكون مزدوجة الجوانب لتسجيل ما يصل إلى 500 خلية عصبية في وقت واحد في منطقة الحصين لدى فئران المختبر، حيث حاولت المخلوقات الصغيرة التنقل في متاهة بحثا عن مكافآت سكرية ووجبات خفيفة.
ولاحظ الفريق أنه تم تسجيل “تموجات موجات حادة”، تتراوح ما بين خمسة إلى 20 في كل مرة، عندما توقف الفأر مؤقتا للاستمتاع بطعامه بعد جولة ناجحة في المتاهة.
وقال الدكتور بوزاكي الأمر: “إن الدماغ يقرر من تلقاء نفسه، بدلا من أن نتخذ القرار طوعا”.
وتتكون كل “تموجات موجية حادة” من إطلاق متزامن تقريبا يشبه الموجة بنسبة 15% من الخلايا العصبية الحصينية، حيث تنبه بقية الدماغ إلى حدث لا يُنسى.
وتأخذ هذه التموجات اسمها من الشكل الذي تنتجه عندما يسجل العلماء معلوماتها العصبية من الأقطاب الكهربائية إلى الرسم البياني.
وفي وقت لاحق من تجربة متاهة الفئران، سجلت الأقطاب الكهربائية مجموعة متطابقة من التموجات الموجية الحادة في الفئران أثناء نومها.
ووجد العلماء أن “خلايا المكان” الحصينية نفسها للفئران التي أطلقت بعد أحداث المتاهة أثناء النهار أُطلقت مرة أخرى، وبسرعة عالية، حيث كانت حيوانات المختبر الصغيرة النائمة “تعيد تشغيل الحدث المسجل آلاف المرات في الليلة الواحدة”.
وتوصل العلماء إلى أن تكرر “الموجات الحادة” أثناء اليقظة والنوم يسمح بإعادة إنتاج تجربة القوارض الحقيقية، وتحويلها في النهاية إلى ذكريات دائمة، والأحداث التي مرت بها القوارض والتي ولدت عددا قليلا جدا من “الموجات الحادة” أو لم تولد أي “موجات حادة” لم تؤد إلى تكوين ذاكرة.
وقال الدكتور بوزاكي: “توصلت دراستنا إلى أن تموجات الموجات الحادة هي الآلية الفسيولوجية التي يستخدمها الدماغ لتقرير ما يجب الاحتفاظ به وما يجب التخلص منه”.
وكانت الأبحاث السابقة قد حددت بالفعل أن التموجات كانت جزءا لا يتجزأ من تكوين الذاكرة أثناء النوم، لكن الدراسة الجديدة، التي نُشرت في مجلة Science، كانت الأولى التي تربط نشاط الدماغ الليلي بسلوك الحصين أثناء النهار.
ووفقا للعلماء، فإن التوقف والتأمل مباشرة بعد تجربة ما أمر ضروري لتنشيط “الموجات الحادة” وتسجيل الأحداث في الذاكرة طويلة المدى.
وتأمل الدكتورة ويني يانغ، قائدة الدراسة الأخرى، وهي طالبة دراسات عليا في مختبر بوزاكي، أن يتم استخدام النتائج الجديدة في علاجات لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في التذكر، أو في حالة أولئك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وصعوبة في التذكر.
()