الإنسان هو نتاج ما أكله أجداده، بحسب علماء الجينات، والأكل هو أقدم صفة أنثروبولوجية، إذ شكّلت سيرورة الطعام عواطف البشر، وقوام أجسادهم ومناعتهم، وكذلك أمزجتهم السعيدة والحزينة.
انتقل الطعام بوصفه للأكل والتخمة، إلى آفاق إنسانية مثل الضيافة والكرم، وإبداعية باعتباره أفقاً للآداب والفنون والرواية. يقول الزمخشري: “مَن ضبط َ بطنه، ضبط الأخلاق الصالحة كلها”.
وتؤكد الكاتبة بلقيس شرارة” أن الطعام متأصّل في بيولوجيا إدامة الوجود”. كان الطعام حافزاً للحروب والاستعمار مثل طريق التوابل، ولنهب مطابخ الشعوب، مثلما استحوذ الاحتلال الإسرائيلي على المطبخ الفلسطيني وجيّره له.
لم يكن الفن التشكيلي ولا السينما، بمنأى عن الطعام؛ لوحة “العشاء الأخير” للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، جمعت السيد المسيح مع حواريه على مائدة الطعام، فضلاً عن منمنمات الفنان الواسطي، إذ رسم مقامات الحريري المتعلقة بالموائد، وهناك رسومات فارسية ومغولية وعثمانية، تصوّر الموائد، وكؤوس الشراب، والأواني
يحتلّ الطعام والنباتات حيّزاً كبيراً في الدين، كما في الحديث النبوي الشريف “صوموا، تصحّوا”، وتكريم التين والزيتون والنخلة المُقدّسة، حيث ولِد تحتها السيد المسيح، فضلاً عن سردية الأضاحي وإنقاذ البشر من الهلاك، في مِثال افتداء النبي إبراهيم ولده إسماعيل بكبش.
يقول طبيب العرب الحارث بن كلدة: “إن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء”.
اعتبرت ملحمة جلجامش الطعام، غذاءً يتعلق بالمدينة والتمدّن، وهي تشير إلى ترويض أنكيدو بواسطة الخبز، بعد ما كان يأكل الحشائش وحليب الحيوانات: “كُل الخبز يا أنكيدو، بهجة حياة البشر”. وعليه، هجرَ الغابة بسبب الطعام وعوامل أخرى، وجاء إلى مدينة أوروك.
تحوز الأطباق الوطنية على صدارة ما يأكله الكُتّاب العرب كل بحسب جنسيته، (الكُسكسي والطاجين) مغربياً، و(الرز والبامية والباذنجان) عراقياً، و (الكبّة والفلافل والسَلطات) لبنانياً وسورياً، و(الكُشري والفول) مصرياً.
تشمل هذه النتائج الأدباء المغتربين أيضاً، فلا يذكر أي مهاجر أطباق البلد الأجنبي الذي يعيش فيه، بل يتمركز حول مطبخه الوطني، وتنال الأسماك نصيباً ضئيلاً عادة. أما فيما يتعلّق بالتوابل، يذكرون الفلفل الأسود والقرفة والهيل.”