لا يوجد سوى كابلين فقط يربطان أرخبيل سفالبارد النائي في القطب الشمالي بالبر الرئيسي للنرويج، واللذان يوفران تقريباً جميع البيانات المأخوذة من الأقمار الاصطناعية، التي تدور في المدار القطبي إلى بقية دول العالم. ومنذ عامين، توقف الكابلان عن العمل بصورة شبه كاملة.
وتُظهر الصور التي نشرتها الشرطة النرويجية في أواخر مايو، حجم الدمار الكارثي الذي لحق بأحد كابلات الألياف الضوئية، حيث انفتح الغلاف البلاستيكي، وانكشف الكابل وبرزت السلوك وكأنها “سلك كهربائي معيب”.
ويُعد الحادث “اللغز” الذي وقع في يناير 2022، وأدّى إلى قطع تدفق البيانات من الأقمار الاصطناعية SvalSat، وتقييد حركة المرور الجوي إلى الأرخبيل، بمثابة “قصة تحذيرية بشأن ما يمكن أن يحدث عند قطع الكابلات البحرية”، التي تدعم معظم شبكة الاتصالات العالمية، وفق مجلة “فورين بوليسي“.
وفعل الحوثيون الشيء نفسه في وقت سابق من هذا العام، عندما استهدفوا “عنق الزجاجة الرئيسي” بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، بعد التهديد بالقيام بذلك رداً على الحرب الإسرائيلية على غزة.
ولا يقتصر التهديد على منطقة أو منطقتين، حيث يعتقد مسؤولو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن روسيا لديها “برنامج ممتد لعقود لرسم خريطة للبنية التحتية الأوروبية تحت البحر كجزء من جهودها لإعداد ميدان المعركة لصراع محتمل ضد التحالف” المؤلف من 32 دولة، حسبما أوردت المجلة الأميركية.
وكشفت “فورين بوليسي”، أن الأمر لن يكلف الروس جهوداً مضنية للحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها لإلحاق الضرر بالبنية التحتية البحرية الأوروبية، حيث يتم تشغيل معظم خطوط الأنابيب من قبل شركات المرافق، وتتوافر كثير من البيانات المتعلقة بمواضع تشغيل الكابلات في المجال العام بسبب متطلبات الترخيص.
في المقابل، يمتلك الناتو الآن مجموعة لتنسيق البنية التحتية البحرية، والتي تجمع بين مسؤولين عسكريين ومدنيين، ولديها سلطة الاجتماع بكبار ممثلي القطاع الخاص من خارج القيادة البحرية للحلف في ضاحية نورثوود بلندن.
وقال مسؤول رفيع في الناتو لمجلة “فورين بوليسي”، شريطة عدم الكشف عن هويته، عن تبادل المعلومات والمعلومات الاستخباراتية إن “المسألة برمتها تتعلق بربط جميع النقاط وإنشاء شبكة”.
ويتمثل هذا الجهد الطموح وفق المسؤولين، في محاولة “استخدام القوة الحاسوبية لحماية شبكة الكابلات البحرية الواسعة التي تدعم معظم الاقتصاد العالمي”.
فمن خلال الاعتماد على البيانات المستقاة من واجهات البرامج وشركات تشغيل الكابلات وخطوط الأنابيب، يعمل الحلفاء في الناتو جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص لإنشاء “نظام إنذار ضخم يمتد لآلاف الأميال لحماية البنية التحتية البحرية في شمال أوروبا”، ويعتمد على “أجهزة استشعار مرتبطة بالكابلات”، إلى جانب أجهزة “استشعار صوتية مرتبطة بتوربينات الرياح”، يمكن استخدامها للكشف عن أي خروقات.
وأعرب أودون هالفورسين، مدير قسم الطوارئ بالجمعية النرويجية لمالكي السفن، والنائب السابق لوزير خارجية النرويج، عن اعتقاده بأن “عمليات الناتو لا تزال في مرحلة مبكرة للغاية”، مضيفاً أن هذه العمليات تحاول بالأساس “رسم خريطة للمشهد العام عندما يتعلق الأمر بالسلطات القضائية والسلطات المعنية، حيث أنك تواجه جهات تنظيمية مختلفة في هذه الصناعة”.
وأشارت “فورين بوليسي” إلى أن استراتيجية قطع الكابلات “قديمة قدم الحرب الحديثة”، حيث بدأت بريطانيا قطع الكابلات الألمانية الممتدة تحت البحر في مطلع الحرب العالمية الأولى لتخريب الاتصالات قبل أن يرد الألمان الصاع صاعين.
وعندما بدأ مد كابلات التليفونات في خمسينيات القرن الماضي، خلال الأيام الأولى من الحرب الباردة، دمرت سفن الصيد السوفيتية الكابلات الممتدة تحت المياه بالقرب من ساحل نيوفاوندلاند. وتمتلك الولايات المتحدة بمفردها أكثر من 40 ألف ميل بحري من الكابلات النشطة في قاع البحر. “