وسط أجواء مشحونة بالتوتر السياسي، إثر تصاعد الخلافات بين أربيل وبغداد حول قطع الأخيرة تمويل رواتب موظفي الإقليم، أعربت رئاسة البرلمان العراقي، مساء اليوم الأربعاء، عن الأسف نتيجة قرار الحكومة الاتحادية بشأن رواتب موظفي إقليم كردستان، داعية إياها إلى العدول عن قرارها وصرف الرواتب.
وقالت الرئاسة في بيان ،” أن :رئاسة مجلس النواب العراقي، تعرب عن أسفها الشديد لقرار وزارة المالية في الحكومة الإتحادية بقطع رواتب موظفي إقليم كردستان العراق، وهذا الإجراء سيضر حتما بالمواطنين في الإقليم ويخلق أزمة إقتصادية، وهو مخالف لقرارات المحكمة الاتحادية وللدستور الذي ضمن حقوق كافة المواطنين في جميع المحافظات”.
وأضافت ،”رئاسة المجلس تطالب الحكومة الاتحادية بالعدول عن القرار، لا سيما نحن على أعتاب عيد الأضحى المبارك، ويجب عدم ربط قوت الشعب ومستحقاته بالقضايا السياسية والمسائل الفنية، وإن الجلوس على طاولة الحوارات والتفاهمات هو الطريق الأمثل لحل المشاكل والملفات ومعالجة القضايا بين بغداد وأربيل.
واعتبرت ،” حكومة إقليم كردستان العراق، في وقت سابق من اليوم الأربعاء، قرار وزارة المالية بوقف تمويل رواتب الموظفين يفرض عقوبات على الإقليم، ويمثل عقابا جماعيا لجميع مواطنيه، فيما قررت توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي، وممثلي الدول لحل مشكلة رواتب الإقليم.
وكانت مصادر مطلعة أفادت، قبل يومين بأن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أبدى استعدادا لصرف رواتب موظفي إقليم كردستان لشهر أيار مايو الماضي، بشرطين أساسيين، أولهما صرف المبالغ بصيغة قرض مؤقت خارج الحسابات الرسمية، والثاني تشكيل لجنة عليا مشتركة مع حكومة الإقليم لوضع حلول دائمة لأزمة الرواتب المتراكمة، على أن تُستكمل التفاهمات قبل عيد الأضحى.
وتعود جذور الأزمة إلى الخلاف المزمن حول آلية توزيع الثروات والتزامات الطرفين، إذ تتمسك الحكومة الاتحادية في بغداد، بموقفها الذي يربط تحويل الأموال إلى الإقليم بتسليم كامل إيرادات النفط من حقول الإقليم، فضلا عن الجباية، والجمارك، والضرائب المحلية، باعتبارها من موارد الدولة السيادية التي يجب أن تدخل ضمن حسابات وزارة المالية.
وبموجب قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023–2025، خصص لإقليم كردستان نسبة 12.67% من إجمالي الإنفاق العام، مقابل التزامه بتسليم 400 ألف برميل نفط يومياً إلى شركة التسويق الوطنية “سومو” فضلاً عن تحويل الإيرادات غير النفطية، والتي تشمل الضرائب والجباية والرسوم الجمركية المحلية.
تؤكد وزارة المالية الاتحادية، أن الإقليم لم يلتزم بهذه الضوابط، مشيرة إلى أن الإيرادات الكلية التي حققها الإقليم منذ بداية عام 2023 حتى نيسان 2025 بلغت نحو 19.9 تريليون دينار، في حين لم يتم تسليم سوى 598.5 مليار دينار منها إلى الخزينة الاتحادية.
في المقابل، تقول حكومة الإقليم إنها لم تتسلّم سوى 4.22 تريليونات دينار فقط من أصل 13.33 تريليون دينار مخصصة لرواتب الموظفين، أي ما يعادل 31% من مستحقاتها المالية، محذّرة من استخدام ملف الرواتب أداة للضغط السياسي.
وقد سبب هذا التصعيد توترا غير مسبوق، دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بزعامة مسعود البارزاني، إلى التلويح بالانسحاب من العملية السياسية بشكل كامل، بل حتى إعادة طرح ملف الاستفتاء، في محاولة للضغط على بغداد وحشد دعم دولي لحماية “الحقوق الدستورية” للإقليم، بحسب تعبير قياداته.
وحذر القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، أمس الثلاثاء، من انعكاسات إيقاف تمويل رواتب إقليم كردستان، إذ ذكر في تدوينة له عبر منصة (أكس)، قائلا، “قرار حكومة السوداني الإطار التنسيقي بإيقاف تمويل رواتب موظفي اقليم كردستان، وفي توقيت سئ جدا، لمعاقبة جماعية وتجويع لمواطني الإقليم من خلال التشبث بحجج مالية وإدارية سوف لن يمر مرور الكرام وبدون عواقب، فنحن لا نعيش في مدينة فاضلة، وتاريخنا السياسي يؤشر بأن المعتدي سيعاقب”.
ويتخذ الخلاف بين أربيل وبغداد، حول قطع الأخيرة تمويل رواتب موظفي الإقليم، أبعادا سياسية واقتصادية معقدة، وسط خلافات متراكمة، أبرزها ملف النفط والاتفاقيات الثنائية مع شركات أمريكية، بحسب مختصين.
وتسلمت المحكمة الاتحادية العليا، في 1 حزيران يونيو الجاري، دعوى قضائية من قبل عدد من موظفي إقليم كردستان، يطالبون فيها بإلزام وزارة المالية الاتحادية، إرسال رواتب موظفي كردستان، بناء على قرار المحكمة الاتحادية لعامي 2023 و2024، الذي نص على وجوب استمرار صرف رواتب موظفي الإقليم، بغض النظر عن المشاكل المالية الأخرى بين بغداد واربيل، وسط ترجيحات بصرف الرواتب يوم الثلاثاء المقبل.
وجاء في تفاصيل الدعوى الموقعة من موظفي إقليم كردستان، أنه في هذا اليوم أقيمت دعوى من قبل موظفين من الإقليم بخصوص المطالبة باستمرار صرف الرواتب في إقليم كردستان، وفي مواعيدها المحددة، وفقا لقرار المحكمة الاتحادية بالعدد (224 وموحدتها 269/اتحادية/2023 في 21\2\2024).
وطالب المدعون، بإصدار أمر ولائي يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف الرواتب، تنفيذا لقرار المحكمة المذكور، الذي يتضمن إلزام كل من رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، ورئيس مجلس الوزراء في حكومة إقليم كردستان – العراق، بتوطين رواتب منتسبي جميع الوزارات، والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة، وجميع منتسبي الجهات الحكومية الأخرى، والمتقاعدين، ومستفيدي شبكة الحماية الاجتماعية في الإقليم لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم، مع خصم المبالغ من حصة الإقليم المحددة بموجب قانون الموازنة.
وقد سجلت الدعوى المذكورة لدى المحكمة الاتحادية بالعدد (104/ اتحادية/ 2025)، واستوفيت الرسوم القانونية عنها، وسوف يتم البت بطلب إصدار الأمر الولائي في أقرب وقت. بحسب مقيمي الشكوى.
يأتي ذلك، بعد أيام من تفجر أزمة بين الجانبين إثر توقيع حكومة إقليم كردستان، اتفاقيتين نفطيتين مع شركتين أميركيتين لاستثمار حقلي ميران وتوبخانه – كردمير في محافظة السليمانية، وهو ما رفضته وزارة المالية داعية إلى الالتزام بالدستور الذي ينظم العلاقة النفطية بين بغداد وأربيل.
وإثر ذلك، دخلت العلاقة بين حكومتي بغداد وأربيل، منعطفا خطيراً بقرار وزيرة المالية وقف صرف رواتب موظفي إقليم كردستان، بسبب عدم حسم ملف عائدات النفط من حقول الإقليم المتوقفة منذ عامين، وبينما تسبب القرار بردود فعل غاضبة من الجانب الكردي، وسط تلويح بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية في بغداد.
وكانت وزيرة المالية، طيف سامي، قد أبلغت رسميا، في 28 آيار مايو الجاري، حكومة الإقليم بتعذّر استمرار الوزارة في تمويل الرواتب، مرجعة ذلك إلى “تجاوز كردستان الحصة المقررة لها ضمن قانون الموازنة الاتحادية والبالغة 12.67%”.
وفي بيان لاحق للوزارة أكدت، أن “حكومة الإقليم لم تلتزم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية للحكومة الاتحادية، وأن امتناع الإقليم عن تسليم الإيرادات أدى إلى تجاوز حصته المحددة في الموازنة”، مشيرة إلى أن “حكومة الإقليم لم تلتزم بتوطين الرواتب”، ورأت أن “عدم التزام حكومة الإقليم بتسليم نفط حقول الإقليم لشركة سومو تسبب في خسارة الخزينة العامة تريليونات الدنانير”.
ومنذ سنوات، لم يحل ملف الرواتب في إقليم كردستان، وبقي معلقا بين الشد والجذب مع الحكومة الاتحادية، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطا على الإقليم، مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط، لكن منذ عامين، بعد توقف تصدير الإقليم للنفط عبر ميناء جيهان التركي، حولت الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين إلى “سلف” تقدم للإقليم.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق، نتيجة تأخر صرف الرواتب، وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بين بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.”