منذ اندلاع الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والإنسانية إلى درجة دق ناقوس الإنذار من قبل المنظمات الدولية، ولم يكن ينقص السكان إلا الفيضانات التي تسببت بها الأمطار الغزيرة، ما أدى إلى صعوبة إيصال الإعانات التي يرسلها الأقارب من خارج البلاد، وبات الوصول إلى الصيدليات القليلة متعذراً في ظل الظروف المناخية واستمرار القتال.
وتخشى هذه السيدة السودانية من مضاعفات السكري نتيجة هذه الأوضاع، لا سيما أن الخدمات الطبية، بما في ذلك المستشفيات، لم تعد متوفرة كما كانت في السابق.
وأجبرت الحرب أكثر من 12 مليوناً على النزوح في الداخل أو اللجوء إلى دول الجوار.
في 8 سبتمبر الجاري، تحدث مسؤولون بغرفة طوارئ الخرطوم بحري لـ”الشرق” عن تردي الأوضاع الصحية إلى “أقصى درجات التدهور” في المدينة التي تشكّل الضلع الثالث من أضلاع العاصمة السودانية، في ضوء توقف المؤسسات الصحية الحكومية عن العمل في المناطق المحاصرة.
وتشهد المدينة انقطاعاً كاملاً في سلاسل الإمداد الدوائي منذ ما يقارب العام والنصف، ما أدى إلى تفشي الأمراض المرتبطة بسوء التغذية والتلوث البيئي، بالإضافة إلى غياب المواد الغذائية الضرورية.
كما تنتشر في العاصمة السودانية العديد من الأمراض، منها الإسهال المائي الحاد والكوليرا، إلى جانب حالات متزايدة من التيفوئيد والملاريا، وأمراض أخرى لم يتم التعرف عليها بعد نتيجة غياب أدوات الفحص وتوقف المستشفيات، بحسب غرفة الطوارئ.
وفي ظل هذه الأزمة، تُعاني النساء الحوامل من انعدام الرعاية الصحية الكافية، ما أدى إلى تزايد حالات وفاة الأجنة نتيجة غياب المتابعات الطبية، و”عدم معرفة الأمهات بوفاة الجنين” مما يسبب حالات تسمم خطيرة قد تكون مميتة”.
وكشفت الغرفة عن انعدام اللقاحات الضرورية لأمراض مثل الحصبة والسل بالنسبة للأطفال، ما يجعل حياتهم مهددة.
في آخر إحصاءات انتشار الأوبئة، قال مركز عمليات الطوارئ في السودان إن 3 ولايات شهدت مؤخراً 361 إصابة بالكوليرا، ليرتفع عدد الإصابات بهذا المرض في سائر أنحاء البلاد إلى 6 آلاف و618 حالة، قضى منهم 235 جراء المرض.
وإلى جانب استمرار النزاع المسلح، فاقمت الأمطار الغزيرة والسيول في عدد من ولايات البلاد الأوضاع الصحية المتدهورة بالأساس، ويُضاف إلى ذلك، وفقاً لوزارة الصحة، الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية.
وأشار مركز عمليات الطوارئ إلى تضرر 45 ألف أسرة من الأمطار والسيول، في حين تشكو بعض مناطق السودان، لا سيما في الشمال، من نقص في أمصال العقارب والثعابين.
ولدى زيارته بورتسودان، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدناهوم جيبريسيوس، الأحد، عن “حزنه لتجاهل الأسرة الدولية الكارثة الإنسانية في السودان”، مشيراً إلى صدمته جراء رؤية الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، وأوضاع أمهاتهم النازحات في بورتسودان. ولفت إلى أن 25.6 مليون نسمة يُتوقع أن يواجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي.
وقال جيبريسيوس إن الفيضانات أدت إلى تعقيد الأوضاع الإنسانية على نحو أسوأ، مشيراً إلى انتشار أمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة، علاوة على مخاطر من الإصابة بمرض “جدري القردة”.
وحذر المكتب الأممي من أن الفيضانات والمياه الراكدة تسببت وفاقمت تفشي وباء الكوليرا في البلاد.
وقال وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، الاثنين، إن الحكومة مستعدة لفتح مطار مروي لإيصال المساعدات الإنسانية لدارفور وكردفان، مشيراً إلى أن التزامات الأسرة الدولية للقطاع الصحي لم تتعدَّ 26%.
واتهم الوزير السوداني قوات الدعم السريع بعرقلة وصول الدواء لبعض الولايات، فيما اتهم الدعم السريع الحكومة، سابقاً، بمحاولة تجويع سكان المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات.
وأقر وزير الصحة السوداني بارتفاع حالات سوء التغذية وسط الأطفال، وفقر الدم وسط الأمهات، لافتاً إلى أن الوضع الوبائي للكوليرا “يتزايد”، وأضاف أن البلاد تحتاج لأدوية بقيمة 50 مليون دولار شهرياً.
وبداية الأسبوع الحالي، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن تضرر نحو 500 ألف شخص بالأمطار الغزيرة والفيضانات في 63 منطقة موزعة على 15 ولاية في البلاد، مشيراً إلى مصرع ما لا يقل عن 69 شخصاً وإصابة 112 آخرين.
وقال المكتب إن قرابة 36 ألف منزل دمرت بشكل كامل، فيما تعرض 45 ألف منزل لأضرار جزئية. وحصر المناطق الأكثر تضرراً في شمال دارفور والبحر الأحمر، والشمالية، وجنوب دارفور ونهر النيل.
وأشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى تلقيه تقارير تفيد بارتكاب عمليات عنف جنسي مرتبطة بالنزاع المسلّح في السودان.
كما تحدث عن انهيار معظم البنى الصحية في البلاد، قائلاً “نحو 70% إلى 80% من المرافق الصحية في السودان لا تعمل بشكل كامل”، موضحاً أن 14.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات عاجلة لإنقاذ حياتهم، وأن قطاعات المنظمات الإنسانية دعت لتمويل بقيمة 2.7 مليار دولار لمواجهة الأوضاع في البلاد.”